فصل: تفسير الآية رقم (72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
وقوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}: وقال في المنافقين {مِّن بَعْضٍ} [التوبة: 67] إذ لا ولايةَ بين المنافقين. وقوله: «يَأْمُرون» كما تقدم في نظيره. والسينُ في «سيرحمهم الله» للاستقبال، إذ المراد رحمةٌ خاصةٌ وهي ما خبَّأه لهم في الآخرة. وادعى الزمخشري أنها تفيد وجوبَ الرحمةِ وتوكيدَ الوعيد والوعيد نحو: سأنتقم منك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}
يُعين بعضُهم بعضًا على الطاعات، ويتواصَوْن بينهم بترك المحظورات؛ فَتَحَابُّهم في الله، وقيامُهم بحقِّ الله، وصحبتُهم لله، وعداوتُهم لأجْلِ الله؛ تركوا حظوظَهم لحقِّ الله؛ وآثروا على هواهم رِضاءَ الله. أولئك الذين عَصَمَهم اللهُ في الحالِ، وسيرحمهم في المآل. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} قال: موالاته مع المؤمنين كف الأذى عنهم.
قال: واعلموا أن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون لعباد الله كالأرض، إذ هم عليها ومنافعهم منها.
وقال: الأصول عندنا سبع: التمسك بكتاب الله، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (72):

قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم الآية بوصف العزة والحكمة المناسب لافتتاحها بالموالاة وتعقيبها بآية الجهاد، وذلك بعد الوعد بالرحمة إجمالًا، أتبعها بما هو أشد التئامًا بها بيانًا للرحمة وتفصيلًا لها ترغيبًا للمؤمنين بالإنعام عليهم بكل ما رامه المنافقون بنفاقهم في الحياة الدنيا، وزادهم بأنه دائم، وأخبر بأن ذلك هو الفوز لا غيره فقال: {وعد الله} أي الصادق الوعد الذي له الكمال كله {المؤمنين والمؤمنات} أي الراسخين في التصديق بكل ما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم {جنات تجري من تحتها الأنهار} أي فهى لا تزال خضرة ذات بهجة نضرة؛ ولما كان النعيم لا يكمل إلا بالدوام، قال: {خالدين فيها} كانت الجنان لا تروق إلا بالمنازل والدور الفسيحة والمعازل قال: {ومساكن طيبة} ولما كان بعض الجنان أعلى من بعض، وكان أعلاها ما شرف بوصف العندية المؤذن بالقرب من بنائه مما يؤكد معنى الدوام، قال: {في جنات عدن} أي إقامة دائمة وهناء وصحة جسم وطيب مقر وموطن ومنبت، وذلك كما قال في حق أضدادهم {عذاب مقيم} وما أنسب ذكر هذه الجنة في سياق التعبير بالوصف المؤذن بالرسوخ فإنه ورد في الحديث أنها خاصة بالنبيين والصديقين والشهداء.
ولما كان ذلك لا يصفو عن الكدر مع تجويز نوع من الغضب قال مبتدئًا إشارة إلى أنهى التعظيم-: {ورضوان} أي رضى لا يبلغه وصف واصف بما تشير إليه صيغة المبالغة ولو كان على أدنى الوجوه بما أفاده التنوين- {من الله} أي الذي لا أعظم منه عندهم {أكبر} أي مطلقًا، فهو أكبر من ذلك كله لأن رضاه سبب كل فوز، ولا يقع السرور الذي هو أعظم النعيم إلا برضى السيد، وإذا كان القليل منه أكبر فما ظنك بالكثير.
ولما تم ذلك على أحسن مقابلة بما وصف به أضدادهم، قال يصفه زيادة في الترغيب فيه: {ذلك} أي الأمر العالي الرتبة {هو} أي خاصة لا غيره {الفوز العظيم} أي الذي يستصغر دونه كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وفي كون ذلك وعدًا لمن اتصف لأجل ما اتصف به ترغيب في الجهاد المأمور به بعدها لكونه من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والداعي الأعظم إلى الموالاة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعد في الآية الأولى على سبيل الإجمال ذكره في هذه الآية على سبيل التفصيل، وذلك لأنه تعالى وعد بالرحمة، ثم بين في هذه الآية أن تلك الرحمة هي هذه الأشياء.
فأولها قوله: {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} والأقرب أن يقال إنه تعالى أراد بها البساتين التي يتناولها المناظر لأنه تعالى قال بعده: {ومساكن طَيّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ} والمعطوف يجب أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه، فتكون مساكنهم في جنات عدن، ومناظرهم الجنات التي هي البساتين، فتكون فائدة وصفها بأنها عدن، أنها تجري مجرى الدار التي يسكنها الإنسان.
وأما الجنات الآخرة فهي جارية مجرى البساتين التي قد يذهب الإنسان إليها لأجل التنزه وملاقاة الأحباب.
وثانيها: قوله: {ومساكن طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ} قد كثر كلام أصحاب الآثار في صفة جنات عدن.
قال الحسن: سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن قوله: {ومساكن طَيّبَةً} فقالا: على الخبير سقطت، سألنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «هو قصر في الجنة من اللؤلؤ، فيه سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرًا، على كل سرير سبعون فراشًا، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونًا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة، يعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع» وعن ابن عباس أنها دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر.
وأقول لعل ابن عباس قال: إنها دار المقربين عند الله فإنه كان أعلم بالله من أن يثبت له دارًا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله حدثني عن الجنة ما بناؤها فقال: «لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصاؤها الدر والياقوت، فيها النعيم بلا بؤس والخلود بلا موت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه».
وقال ابن مسعود: جنات عدن بطنان الجنة، قال الأزهري: بطنانها وسطها، وبطنان الأودية المواضع التي يستنفع فيها ماء السيل واحدها بطن، وقال عطاء عن ابن عباس: هي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وسائر الجنات حولها وفيها عين التسنيم وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر.
وقال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرًا يقال له عدن، حوله البروج وله خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد، وأقول حاصل الكلام إن في جنات عدن قولان: أحدهما: أنه اسم علم لموضع معين في الجنة، وهذه الأخبار والآثار التي نقلناها تقوي هذا القول.
قال صاحب الكشاف: وعدن علم بدليل قوله: {جنات عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن} [مريم: 61].
والقول الثاني: أنه صفة للجنة قال الأزهري: العدن مأخوذ من قولك عدن فلان بالمكان إذا أقام به، يعدن عدونا.
والعرب تقول: تركت إبل بني فلان عودان بمكان كذا، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه ولا تبرحه، ومنه المعدن وهو المكان الذي تخلق الجواهر فيه ومنبعها منه، والقائلون بهذا الاشتقاق قالوا: الجنات كلها جنات عدن.
والنوع الثالث: من المواعيد التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله: {ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ} والمعنى أن رضوان الله أكبر من كل ما سلف ذكره، واعلم أن هذا هو البرهان القاطع على أن السعادات الروحانية أشرف وأعلى من السعادات الجسمانية، وذلك لأنه إما أن يكون الابتهاج بكون مولاه راضيًا عنه، وأن يتوسل بذلك الرضا إلى شيء من اللذات الجسمانية أو ليس الأمر كذلك، بل علمه بكونه راضيًا عنه يوجب الابتهاج والسعادة لذاته من غير أن يتوسل به إلى مطلوب آخر، والأول باطل، لأن ما كان وسيلة إلى الشيء لا يكون أعلى حالًا من ذلك المقصود، فلو كان المقصود من رضوان الله أن يتوسل به إلى اللذات التي أعدها الله في الجنة من الأكل والشرب لكان الابتهاج بالرضوان ابتهاجًا بحصول الوسيلة.
ولكان الابتهاج بتلك اللذات ابتهاجًا بالمقصود، وقد ذكرنا أن الابتهاج بالوسيلة لابد وأن يكون أقل حالًا من الابتهاج بالمقصود.
فوجب أن يكون رضوان الله أقل حالًا وأدون مرتبة من الفوز بالجنات والمساكن الطيبة، لكن الأمر ليس كذلك، لأنه تعالى نص على أن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر، وذلك دليل قاطع على أن السعادات الروحانية أكمل وأشرف من السعادات الجسمانية.
واعلم أن المذهب الصحيح الحق وجوب الإقرار بهما معًا كما جمع الله بينهما في هذه الآية.
ولما ذكر تعالى هذه الأمور الثلاثة قال: {ذلك هُوَ الفوز العظيم} وفيه وجهان: الأول: أن الإنسان مخلوق من جوهرين، لطيف علوي روحاني، وكثيف سفلي جسماني وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية كانت الروح فائزة بالسعادات اللائقة بها، والجسد واصلًا إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم.
الثاني: أنه تعالى بين في وصفه المنافقين أنهم تشبهوا بالكفار الذين كانوا قبلهم في التنعم بالدنيا وطيباتها.
ثم إنه تعالى بين في هذه الآية وصف ثواب المؤمنين، ثم قال: {ذلك هُوَ الفوز العظيم} والمعنى: أن هذا هو الفوز العظيم، لا ما يطلبه المنافقون والكفار من التنعم بطيبات الدنيا.
وروي أنه تعالى يقول لأهل الجنة: «هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول أما أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا وأي شيء أفضل من ذلك.
قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا»
واعلم أن دلالة هذا الحديث على أن السعادات الروحانية أفضل من الجسمانية كدلالة الآية وقد تقدم تقريره على الوجه الكامل. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات} أي المصدقين من الرجال والمصدقات من النساء.
{جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا ومساكن طَيّبَةً}، يعني: منازل طاهرة تطيب فيها النفس.
{فِى جنات عَدْنٍ} في قصور من الدُّر والياقوت؛ وقال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل، وعبد الله بن محمد قالا: حدثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضيل العابد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا سفيان بن حصين، عن يعلى بن مسلم، عن مجاهد قال: قرأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر {جنات عَدْنٍ}، فقال هل تدرون ما جنات عدن؟ قال: قصر في الجنة من ذهب، له خمسمائة ألف باب، وعلى كل باب خمسة وعشرون ألفًا من الحور العين؛ لا يدخلها إلا نبي وهنيئًا لصاحب القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أو صديقٍ وهنيئًا لأبي بكر؛ أو شهيد وأنَّى لعمر بالشهادة.
ثم قال: {ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ}، يقول رضاء الرب عنهم أعظم مما هم فيه من الثواب والنعيم في الجنة.
{ذلك هُوَ الفوز العظيم}، يعني: النجاة الوافرة. اهـ.